أما مخاطبنا الثالث فهم الأحزاب والنُخب السياسية في مصر وسائر البلدان الناهضة.

إن المفكرين والمناضلين الإسلاميين في شمال أفريقيا من مصر وتونس وحتى الجزائر والمغرب، وخاصة مصر،كانوا يحتلون مكانة الأبوّة الفكرية للصحوة الإسلامية، ولدعاة وحدة الأمة وعزّتها، ثم لتحرير القدس. أنتم اليوم ترثون دماء آلاف الشهداء وعشرات الآلاف ممن عانوا زنزانات السجون والنفي والتعذيب، وما بذله المجاهدون والمناضلون ممن قدموا التضحيات خلال عقود متوالية في انتظار بزوغ فجر مثل هذه الأيام وهذه الانتصارات.

أيها الإخوة والاخوات. حافظوا على هذه الأمانة الكبرى. الغرور والسذاجة آفتان كبيرتان لمرحلة ما بعد الانتصار الأول. أنتم تتحملون المسؤولية الأكبر في ساحة إقامة النظام وصيانة مكتسبات الشعب وحلّ مشاكل النهضة. القوى العالمية والإقليمية التي نزلت بها الضربة تخامر ذهنَها دون شك أفكار شيطانية من التفكير بالحذف والانتقام إلى مشروع ممارسة المكر والتزلزل والإخافة والتطميع بحقكم، وبالنهایة تفكر في الإطاحة بالثورات وخلق أوضاع أسوأ مما كانت عليه و العیاذ بالله.
إن قراراتكم ومواقفكم وإقداماتكم ستكون لها أبعاد تاريخية، وهذه المرحلة هي «ليلة القدر» في تاريخ بلدانكم.

لا تثقوا بأمريكا والناتو. هؤلاء لا يفكرون بمصالحكم ومصالح شعبكم. وكذلك لا ترهبوهم. فهؤلاء واهون ويزدادون ضعفًا بسرعة. حاكميتهم على العالم الإسلامي كانت فقط نتيجة خوفنا وجهلنا خلال مائة وخمسين عامًا. فلا تعقدوا عليهم الآمال، ولا تخافوهم . اعتمدوا فقط على الله سبحانه و ثقوا فقط بشعبكم . هؤلاء انهزموا في العراق وخرجوا بخفّي حنين. وفي أفغانستان لم يكسبوا شيئًا، وفي لبنان انهزموا أمام حزب الله، وفي غزّة أمام حماس. وها هم الآن ينزلون من صياصيهم في مصر وتونس بيد الشعب. لم يتحقق أي تقدم في برنامجهم. الصنم الغربي قد انهزم مثل الصنم الشيوعي وانهار جدار خوف الشعوب، فاحذروا أن يعيدوا إليكم الشعور بالخوف في المستقبل.

إحذروا ألاعیبهم، وكذلك احذروا ألاعيب الدولارات النفطية لعملاء الغرب وحلفائه من العرب، إذ سوف لا تخرجون بسلام في المستقبل من هذه الألاعيب. إسرائيل زائلة لا محالة ولا ينبغي أن تبقى وسوف لا تبقى بإذن الله تعالى. بدء الانحراف في الثورات الراهنة هو الرضوخ لبقاء الكيان الصهيوني، ومواصلة محادثات الاستسلام التي وضعت أساسها الأنظمة الساقطة.

المطلب الأساس لشعوبكم العودة إلى الإسلام، وهو لا يعني طبعًا العودة إلى الماضي. لو أن الثورات حافظت بإذن الله على طابعها الحقيقي واستمرت ولم تتعرض للتآمر أو الاستحالة، فإن المسألة الأساس لكم هي كيفية إقامة النظام وتدوين الدستور وإدارة شؤون البلاد والثورات. وهذه هي نفسها مسألة إعادة بناء الحضارة ا لإسلامية في العصر الحديث.

في هذا الجهاد الكبير، مهمتكم الأصلية ستكون جبران ما عاناه بلدكم في حقب التخلف، والاستبداد، والابتعاد عن الدين، والفقر، والتبعية، في أقصر مدّة بإذن الله، وستكون كيفية بناء مجتمعكم بتوجّه إسلامي وبأسلوب حاكمية الشعب مع مراعاة العقلانية والعلم، وتتجاوزوا التهديدات الخارجية واحدة بعد أخرى، وكيف تؤسسون «الحرية والحقوق الاجتماعية» بدون الليبرالية، و«المساواة» بدون «الماركسية»، و«النَّظم والانضباط» بدون «الفاشية الغربية». حافظوا على التزامكم بالشريعة الإسلامية التقدمية دون أن تقعوا في جمود وتحجّر، واعرفوا كيف تكونون مستقلين دون أن تنزووا، وكيف تتطورون دون أن تكونوا تابعين، وكيف تمارسون الإدارة العلمية دون أن تكونوا علمانيين ومحافظين.