أما المجموعة الثانية والأصلية فهي الشعوب.

ماذا تريد الشعوب؟

أرقام الإحصائيات الأمريكية المكررة في مصر وأكثر البلدان الإسلامية تكشف عن الواقع وتقول لهم: إن ميزان التوجه نحو المساجد والالتزام بالمظاهر الإسلامية ومنها الحجاب والزيّ الإسلامي للمرأة قد ازداد - خلال السنوات الخمس من ألفين وثلاثة إلى ألفين وثمانية- بنسبة أربعين إلى خمس وسبعين بالمائة بين الشعوب من مصر والأردن حتى تركيا وماليزيا وغيرها من البلدان الإسلامية.
كما ازداد ميزان السخط والنفور من أمريكا بمعدل خمس وثمانين بالمائة في البلدان العربية والإسلامية وقد تضاعف الأمل بالنصر والمستقبل بين الشباب خاصة بعد مشاهدة انتصارات شباب حزب الله وحماس في حربي الثلاثة والثلاثين يوماً والإثنين وعشرين يوماً وبعد اندحار وهزيمة أمريكا دونما مكاسب من العراق.

الشخصيات المحبوبة بين شباب مصر، وفق تلك الإحصائيات، هم المجاهدون المسلمون ضد الكيان الصهيوني.
النفرة من الصهيونية، والاهتمامُ بالقضية الفلسطينية والتمسكُ بالعزّة الإسلامية من الخصائص الأصلية للشعوب. خمسٌ وسبعونَ بالمائة من الشعب المصري أدلى بصوته لصالح الشعارات الإسلامية. في تونس أيضاً رفعت الأكثرية هذا اللواء، وفي ليبيا فإن النسبة إن لم تكن أكثر فليست بأقل. والشعوبُ تطلب من مندوبيها ومن الحكومات الجديدة تحقيقَ هذه الأهداف نفسِها أيضاً في المستقبل. الشعب يريد مصرَ عزيزةً كريمة ومحترمة وحرّة، لا يريد مصر كمب ديفيد. لا يريد مصرَ الفقيرةَ والتابعة، لا يريد مصرَ الخاضعةَ لأوامر أمريكا والحليفة لإسرائيل، لا يريد مصرَ متحجرةً ومتطرفةً ولا مصر متغرّبةً وعلمانيةً وتابعة. مصرُ الحرةُ العزيزة والإسلامية والمتطورةُ هي المطلبُ الأساس للشعب والشباب ولا يبغون اصطداماً. جيشُ مصر مع الشعب، وهناك في داخل مصر وخارجها من يريد الوقيعةَ بين الجيش والشعب في المستقبل، على الجميع أن يكونوا على حذر شديد. الجيش المصري سوف لا يتحمّل� نفوذ أمريكا وحلفاء إسرائيل.

كذلك فإن الحديث حين يدور حول التوجه الإسلامي في مصر أو تونس أو ليبيا فإنه إسلام رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم) هذا الإسلام الذي شمل في المدينة أهلَ الذمة من المسيحيين واليهود بالرحمة والأمن، وليس الإسلام بمعنى إثارة الحروب الدينية بين عباد الله، ولا بمعنى الحرب المذهبية والطائفية بين المسلمين. مصر هي مصر دار التقريب بين المذاهب الإسلامية والشيخ شلتوت.

على أهلنا في مصر وتونس وليبيا أن يعلموا أن ما حققوه هو ثورة لم تكتمل، فهم وإن قطعوا خطوات رحبة، فإنهم في بداية طريق ذات الشوكة. العقبات التي أوجدوها أمامنا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ولا تزال مستمرة، وقد فشلت بفضل الله ورحمته الواحدة تلو الأخرى، هذه العقبات فاقت مئات المرات ما كان أمامنا قبل سقوط نظام الشاه. لابدّ من التحلّي باليقظة وبدفع عجلة الثورة خطوة فخطوة حتى آخر المراحل ضمن برنامجٍ متوسطِ الأمد وطويلِ الأمد.

نظام طواغيت مصر كان أول حكومة عربية خانت القضية الفلسطينية وفتح الطريق أمام التراجع العربي، حتى أن الأنظمة العربية إلا واحداً – هو سوریا – باعوا فلسطين، واتجهوا إلى مصالحة الصهيونية. إن النظام المصري البائد كان أحد نظامين عربيين هما موضع ثقة أمريكا وإسرائيل. والرئيس الأمريكي المرائي الحالي اختار مصر حسني مبارك ليوجّه رسالة الخداع والنفاق إلى المسلمين، لكن الشعب المصري في ثورته أعلن موقفه بوضوح، وأزال الأوهام من أذهان الجميع.

إن مصر اليوم يجب أن تستعيد دورها في الخط المقدم للدفاع عن القضية الفلسطينية، وأن تسحق بأقدامها معاهدة كمب ديفيد الخيانية وتحرقها. مصر الثورة لم تعد تستطيع أن تغدق بالطاقة والغاز على الكيان المتدهور الإسرائيلي على حساب قوت الشعب المصري ومعاناته.