أطرح أولاً هذا السؤال: ماهي الأطراف المختلفة الحاضرة في ساحة الثورات؟
إنها طبعاً أولاً: أمريكا والناتو والنظام الصهيوني ومن لفّ لفهم وانخرط معهم في بعض الأنظمة العربية.
وثانياً: الجماهير عامة والشباب.
وثالثاً: الأحزاب والناشطون السياسيون الإسلاميون وغير الإسلاميين.
وما هي مكانة كل واحد من هذه الأطراف وما هي أهدافه؟
الفريق الأول: هم الخاسرون الأصليون في مصر وتونس وفي سائر البلدان الناهضة.
إنّ مشروعية وها هي اليوم موجوديّة القطب الرأسمالي والنموذج الليبرالي الديمقراطي الغربي يتعرض في داخل أوربا وأمريكا أيضاً لخطر الاضمحلال. وأصبحت بلدان هذا المعسكر في وضع يشبه وضع المعسكر الشرقي في الثمانينات من القرن الماضي. فالانهيارات الأخلاقية والاجتماعية، والأزمات الفريدة الاقتصادية، والهزائم العسكرية الكبرى في العراق وأفغانستان ولبنان وغزّة، وسقوط أو تزلزل أكثر النظم الدكتاتورية العميلة التابعة لهم في البلدان المسلمة والعربية، وخاصة فقدانهم مصر، وتعرض الكيان الصهيوني للخطر من الشمال والغرب ومن داخله بشكل لم يسبق له نظير، وانفضاح طبيعة التبعية والذيلية للمنظمات الدولية، والتعامل السياسي والمزدوج مع مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووقوعهم في المواقف المتناقضة والمضطربة والمزدوجة تجاه مسائل ليبيا ومصر والبحرين واليمن. كل ذلك قد عرّض هذه المجموعة الأولى إلى أزمة ثقة عالمية وأزمة عميقة في قدرة اتخاذ القرار.
إنّ هدفهم الأكبر اليوم بعد عجزهم عن قمع الشعوب والسيطرة عليها هو السعي للسيطرة على غرفة قيادة الثورات واختراق الأحزاب الفاعلة، وحفظ ما أمكن من هيكل الأنظمة الفاسدة الساقطة والاكتفاء بالإصلاحات السطحية والمسرحية، وإعادة بناء عملائهم في داخل البلدان الثائرة، ثم اللجوء إلى عمليات تطميع وتهديد. وقد يلجأون في المستقبل إلى الاغتيالات أو شراء ذمم بعض الأفراد والجماعات من أجل وقف عجلة الثورات أو دفعها إلى الخلف، وبثّ اليأس في قلوب الجماهير أو إشغالها بصراعات داخلية بإثارة مسائل فرعية، وإضرام نيران العصبيات القومية والقبلية أو الدينية أو الحزبية واختلاق الشعارات المنحرفة لتغيير الثورات، والتأثير المباشر أو غير المباشر على أذهان الثوريين وألسنتهم، ودفعهم إلى ألاعيب سياسية أو إثارة الفُرقة بينهم ثم توسيع نطاق هذه التفرقة لتشمل فئات الناس، والسعي للمساومة خلف الكواليس مع بعض الخواص بالوعود الكاذبة كالمساعدات المالية وغيرها وغيرها من عشرات الحيل الأخرى مما أشرت إلى نماذج منها من قبل في المؤتمر العالمي للصحوة الإسلامية بطهران.
إنّ بعض الأنظمة التابعة والمحافظة العربية أيضاً تقف إلى جانب أمريكا والناتو، ولو من أجل حفظ كراسيها، وتسعى بكل قواها لإيقاف عجلة الزمن ودفع ثورات المنطقة إلى الوراء أو سوقها نحو طريق مجهول، ورأسمالهم الوحيد في هذه المساعي دولارات النفط، وهدفهم الأساس هزيمة الشعوب في مصر وتونس واليمن والبحرين.. وحفظ ثبات الكيان الصهيوني وضمان بقائه وإنزال الضربة بجبهة المقاومة في المنطقة.